تعتبر الحرب الإيرانية العراقية، التي استمرت من سبتمبر/أيلول 1980 إلى أغسطس/آب 1988، واحدة من أكثر الصراعات تدميراً في أواخر القرن العشرين. لقد كانت صراعاً مطولاً ودموياً بين قوتين في الشرق الأوسط، إيران والعراق، وكان لها تأثيرات كبيرة وبعيدة المدى على الديناميكيات الإقليمية والسياسة العالمية. لم تعمل الحرب على إعادة تشكيل المشهد المحلي للدول المشاركة فحسب، بل كان لها أيضًا آثار عميقة على العلاقات الدولية. لقد أثرت التأثيرات الجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية للصراع على السياسات الخارجية والتحالفات والأهداف الاستراتيجية للدول التي تقع خارج الشرق الأوسط.

أصول الحرب: التنافس الجيوسياسي

تعود جذور الحرب الإيرانية العراقية إلى الاختلافات السياسية والإقليمية والطائفية العميقة بين الدولتين. كانت إيران، في ظل حكم سلالة بهلوي قبل ثورة 1979، واحدة من القوى الأكثر هيمنة في المنطقة. وكان العراق، بقيادة حزب البعث الذي يتزعمه صدام حسين، طموحاً بنفس القدر، حيث سعى إلى تأكيد نفسه كزعيم إقليمي. وكان النزاع حول السيطرة على مجرى شط العرب المائي، الذي شكل الحدود بين البلدين، أحد أكثر المحفزات المباشرة للصراع. ولكن هذه القضايا الإقليمية كانت تكمن وراءها منافسة جيوسياسية أوسع نطاقاً. وكانت إيران، بسكانها الشيعة في الغالب وتراثها الثقافي الفارسي، والعراق، الذي يهيمن عليه العرب والسُنّة في المقام الأول على مستوى النخبة، على استعداد للصدام حيث سعى كل منهما إلى فرض نفوذه في جميع أنحاء المنطقة. وقد أدت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، والتي أطاحت بالشاه الموالي للغرب وأقامت نظاماً ثيوقراطياً تحت قيادة آية الله الخميني، إلى تكثيف هذه المنافسات. وكانت الحكومة الإيرانية الجديدة، الحريصة على تصدير أيديولوجيتها الإسلامية الثورية، تشكل تهديداً مباشراً لنظام صدام حسين البعثي العلماني. في المقابل، كان صدام يخشى صعود الحركات الشيعية في العراق، حيث الأغلبية من السكان من الشيعة، والتي ربما تكون مستوحاة من الثورة الإيرانية. وقد أدى هذا التقاء العوامل إلى جعل الحرب حتمية تقريبًا. التأثيرات الإقليمية والشرق الأوسط التحالفات بين الدول العربية والانقسامات الطائفية خلال الحرب، انحازت أغلب الدول العربية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والكويت والممالك الخليجية الأصغر حجمًا، إلى جانب العراق. فقد خشوا الحماسة الثورية للنظام الإيراني وقلقوا من الانتشار المحتمل للحركات الإسلامية الشيعية في مختلف أنحاء المنطقة. وتدفقت المساعدات المالية والعسكرية من هذه الدول إلى العراق، الأمر الذي أتاح لصدام حسين مواصلة جهود الحرب. أما الحكومات العربية، التي يقود العديد منها نخب سنية، فقد صاغت الحرب في إطار طائفي، فصورت العراق باعتباره حصنًا ضد انتشار النفوذ الشيعي. وقد أدى هذا إلى تعميق الانقسام السني الشيعي في جميع أنحاء المنطقة، وهو الانقسام الذي لا يزال يشكل الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط اليوم.

بالنسبة لإيران، كانت هذه الفترة بمثابة تحول في علاقاتها الخارجية، حيث أصبحت أكثر عزلة داخل العالم العربي. ومع ذلك، فقد وجدت بعض الدعم من سوريا، الدولة البعثية بقيادة حافظ الأسد، التي كانت لديها توترات طويلة الأمد مع النظام البعثي في ​​العراق. أصبح هذا التحالف الإيراني السوري حجر الزاوية في السياسة الإقليمية، وخاصة في سياق الصراعات اللاحقة مثل الحرب الأهلية السورية.

صعود مجلس التعاون الخليجي

كان تشكيل مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 أحد التطورات الجيوسياسية المهمة التي نشأت أثناء الحرب الإيرانية العراقية. تأسس مجلس التعاون الخليجي، الذي يتألف من المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وعمان، استجابة للثورة الإيرانية والحرب الإيرانية العراقية. كان الغرض الأساسي من إنشاء مجلس التعاون الخليجي هو تعزيز التعاون الإقليمي والأمن الجماعي بين الملكيات المحافظة في الخليج، التي كانت حذرة من الإيديولوجية الثورية الإيرانية والعدوان العراقي.

أشار تشكيل مجلس التعاون الخليجي إلى مرحلة جديدة في بنية الأمن الجماعي في الشرق الأوسط، على الرغم من أن المنظمة كانت تعاني من الانقسامات الداخلية، وخاصة في السنوات التي أعقبت الحرب. ومع ذلك، أصبح مجلس التعاون الخليجي لاعباً رئيسياً في قضايا الأمن الإقليمي، وخاصة في سياق النفوذ الإيراني المتزايد.

الصراعات بالوكالة والصلة بلبنان

كما أدت الحرب إلى تكثيف الصراعات بالوكالة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ظهر دعم إيران للميليشيات الشيعية في لبنان، وأبرزها حزب الله، خلال هذه الفترة. سرعان ما أصبح حزب الله، وهي المجموعة التي تشكلت بدعم إيراني رداً على غزو إسرائيل للبنان عام 1982، واحدة من القوى الرئيسية بالوكالة لطهران في المنطقة. لقد أدى صعود حزب الله إلى تغيير الحسابات الاستراتيجية في بلاد الشام، مما أدى إلى تحالفات إقليمية أكثر تعقيدًا وتفاقم الصراعات الإسرائيلية اللبنانية الفلسطينية المتقلبة بالفعل.

من خلال تعزيز مثل هذه المجموعات بالوكالة، وسعت إيران نفوذها إلى ما هو أبعد من حدودها، مما خلق تحديات طويلة الأجل لكلا الطرفين.الدول العربية والقوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة. وتستمر شبكات النفوذ هذه، التي وُلدت أثناء الحرب الإيرانية العراقية، في تشكيل السياسة الخارجية الإيرانية في الشرق الأوسط المعاصر، من سوريا إلى اليمن.

التأثيرات العالمية: الحرب الباردة وما بعدها

ديناميكية الحرب الباردة

وقعت الحرب الإيرانية العراقية خلال المراحل الأخيرة من الحرب الباردة، وكانت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي متورطة، وإن كان ذلك بطرق معقدة. في البداية، لم تكن أي من القوتين العظميين راغبة في التورط بشكل عميق في الصراع، وخاصة بعد التجربة السوفييتية في أفغانستان والكارثة الأمريكية مع أزمة الرهائن الإيرانيين. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب، وجدت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي نفسيهما منجذبتين إلى دعم العراق بدرجات متفاوتة.

بدأت الولايات المتحدة، على الرغم من حيادها الرسمي، في الميل نحو العراق عندما أصبح من الواضح أن النصر الإيراني الحاسم يمكن أن يزعزع استقرار المنطقة ويهدد المصالح الأمريكية، وخاصة الوصول إلى إمدادات النفط. وقد أدى هذا التحالف إلى حرب الناقلات سيئة السمعة، حيث بدأت القوات البحرية الأميركية بمرافقة ناقلات النفط الكويتية في الخليج العربي، وحمايتها من الهجمات الإيرانية. كما زودت الولايات المتحدة العراق بالمعلومات الاستخباراتية والمعدات العسكرية، الأمر الذي أدى إلى ترجيح كفة الحرب لصالح صدام حسين. وكان هذا التدخل جزءاً من الاستراتيجية الأميركية الأوسع لاحتواء إيران الثورية ومنعها من تهديد الاستقرار الإقليمي. وفي الوقت نفسه، عرض الاتحاد السوفييتي أيضاً الدعم المادي للعراق، على الرغم من توتر علاقته ببغداد بسبب موقف العراق المتقلب في الحرب الباردة وتحالفه مع مختلف الحركات القومية العربية التي كانت موسكو حذرة بشأنها. ومع ذلك، ساهمت الحرب بين إيران والعراق في المنافسة المستمرة بين القوى العظمى في الشرق الأوسط، وإن كان ذلك بشكل أكثر هدوءًا مقارنة بمسارح الحرب الباردة الأخرى مثل جنوب شرق آسيا أو أمريكا الوسطى.

أسواق الطاقة العالمية وصدمة النفط

كانت إحدى العواقب العالمية الأكثر مباشرة للحرب بين إيران والعراق هي تأثيرها على أسواق النفط. كل من إيران والعراق من كبار منتجي النفط، وأدت الحرب إلى اضطرابات كبيرة في الإمدادات العالمية من النفط. شهدت منطقة الخليج، المسؤولة عن جزء كبير من نفط العالم، تهديدًا لحركة ناقلات النفط من قبل الهجمات الإيرانية والعراقية، مما أدى إلى ما يُعرف باسم حرب الناقلات. استهدفت كل من الدولتين منشآت النفط وطرق الشحن الخاصة بالأخرى، على أمل شل القاعدة الاقتصادية لخصمهما.

ساهمت هذه الاضطرابات في تقلبات أسعار النفط العالمية، مما تسبب في عدم الاستقرار الاقتصادي في العديد من البلدان المعتمدة على نفط الشرق الأوسط، بما في ذلك اليابان وأوروبا والولايات المتحدة. لقد أبرزت الحرب ضعف الاقتصاد العالمي في مواجهة الصراعات في الخليج العربي، مما أدى إلى زيادة الجهود التي تبذلها الدول الغربية لتأمين إمدادات النفط وحماية طرق الطاقة. كما ساهمت في عسكرة الخليج، حيث زادت الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى من وجودها البحري لحماية ممرات شحن النفط وهو التطور الذي كان له عواقب طويلة الأجل على ديناميكيات الأمن الإقليمي.

العواقب الدبلوماسية ودور الأمم المتحدة

لقد فرضت حرب إيران والعراق ضغوطًا كبيرة على الدبلوماسية الدولية، وخاصة في الأمم المتحدة. طوال الصراع، بذلت الأمم المتحدة محاولات متعددة للتوسط في اتفاق سلام، لكن هذه الجهود كانت غير فعالة إلى حد كبير طوال معظم الحرب. لم يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 598 في عام 1988 إلا بعد استنفاد كلا الجانبين تمامًا، وبعد عدة هجمات عسكرية فاشلة.

لقد كشف الفشل في منع الحرب أو إنهائها بسرعة عن قيود المنظمات الدولية في التوسط في الصراعات الإقليمية المعقدة، وخاصة عندما شاركت القوى الكبرى بشكل غير مباشر. كما سلطت طبيعة الحرب المطولة الضوء على إحجام القوى العظمى عن التدخل بشكل مباشر في الصراعات الإقليمية عندما لا تكون مصالحها مهددة على الفور.

إرث ما بعد الحرب والآثار المستمرة

استمرت آثار الحرب بين إيران والعراق في التردد لفترة طويلة بعد إعلان وقف إطلاق النار في عام 1988. بالنسبة للعراق، تركت الحرب البلاد غارقة في الديون وأضعفت اقتصاديًا، مما ساهم في قرار صدام حسين بغزو الكويت في عام 1990 في محاولة للاستيلاء على موارد نفطية جديدة وتسوية النزاعات القديمة. أدى هذا الغزو مباشرة إلى حرب الخليج الأولى وبدأ سلسلة من الأحداث التي بلغت ذروتها في غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة في عام 2003. وبالتالي، تم زرع بذور صراعات العراق اللاحقة أثناء صراعه مع إيران.

بالنسبة لإيران، ساعدت الحرب في ترسيخ هوية الجمهورية الإسلامية كدولة ثورية مستعدة لمواجهة كل من الخصوم الإقليميين والقوى العالمية. لقد كان تركيز القيادة الإيرانية على الاعتماد على الذات، والتطوير العسكري، وزراعة قوات بالوكالة في البلدان المجاورة، كلها عوامل تشكلت من خلال تجاربها خلال الحرب. كما عزز الصراع عداء إيران مع إيران.الولايات المتحدة، وخاصة بعد حوادث مثل إسقاط البحرية الأمريكية لطائرة مدنية إيرانية في عام 1988.

كما أعادت الحرب الإيرانية العراقية تشكيل ديناميكيات السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط. وأصبحت الأهمية الاستراتيجية للخليج الفارسي أكثر وضوحًا أثناء الصراع، مما أدى إلى زيادة التدخل العسكري الأمريكي في المنطقة. كما تبنت الولايات المتحدة نهجًا أكثر دقة في التعامل مع العراق وإيران، بالتناوب بين الاحتواء والمشاركة والمواجهة في السنوات التي أعقبت الحرب.

التأثيرات الإضافية للحرب الإيرانية العراقية على العلاقات الدولية

كانت الحرب الإيرانية العراقية، على الرغم من كونها صراعًا إقليميًا في الغالب، تتردد صداها في جميع أنحاء المجتمع الدولي بطرق عميقة. لم تعيد الحرب تشكيل المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط فحسب، بل أثرت أيضًا على الاستراتيجيات العالمية، وخاصة فيما يتعلق بأمن الطاقة وانتشار الأسلحة والنهج الدبلوماسي العالمي تجاه الصراعات الإقليمية. لقد حفز الصراع أيضًا تحولات في ديناميكيات القوة التي لا تزال مرئية حتى اليوم، مما يؤكد مدى ترك هذه الحرب علامة لا تمحى على العلاقات الدولية. في هذا الاستكشاف الموسع، سوف نستكشف بشكل أكبر كيف ساهمت الحرب في التغييرات طويلة الأجل في الدبلوماسية الدولية والاقتصاد والاستراتيجيات العسكرية والبنية الأمنية الناشئة في المنطقة وخارجها.

مشاركة القوى العظمى وسياق الحرب الباردة

المشاركة الأمريكية: الرقصة الدبلوماسية المعقدة

مع تطور الصراع، وجدت الولايات المتحدة نفسها متورطة بشكل متزايد على الرغم من ترددها الأولي. في حين كانت إيران حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة في عهد الشاه، إلا أن الثورة الإسلامية عام 1979 غيرت العلاقة بشكل كبير. أدى الإطاحة بالشاه والاستيلاء اللاحق على السفارة الأمريكية في طهران من قبل الثوار الإيرانيين إلى إحداث قطيعة عميقة في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. ونتيجة لهذا، لم تكن للولايات المتحدة علاقات دبلوماسية مباشرة مع إيران أثناء الحرب، وكانت تنظر إلى الحكومة الإيرانية بعداء متزايد. وكان الخطاب الإيراني الصاخب المناهض للغرب، إلى جانب دعواتها للإطاحة بالأنظمة الملكية المتحالفة مع الولايات المتحدة في الخليج، سبباً في جعلها هدفاً لاستراتيجيات الاحتواء الأميركية. ومن ناحية أخرى، رأت الولايات المتحدة في العراق، على الرغم من نظامه الاستبدادي، قوة موازنة محتملة لإيران الثورية. وقد أدى هذا إلى ميل تدريجي ولكن لا يمكن إنكاره نحو العراق. وكان قرار إدارة ريغان بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع العراق في عام 1984 ــ بعد انقطاع دام 17 عاماً ــ بمثابة لحظة مهمة في مشاركة الولايات المتحدة في الحرب. وفي محاولة للحد من نفوذ إيران، قدمت الولايات المتحدة للعراق معلومات استخباراتية ودعماً لوجستياً، بل وحتى مساعدات عسكرية سرية، بما في ذلك صور الأقمار الصناعية التي ساعدت العراق في استهداف القوات الإيرانية. ولم تخلو هذه السياسة من الجدل، وخاصة في ضوء الاستخدام الواسع النطاق للأسلحة الكيماوية من جانب العراق، وهو ما تجاهلته الولايات المتحدة ضمناً في ذلك الوقت.

كما انخرطت الولايات المتحدة في حرب الناقلات، وهو صراع فرعي ضمن الحرب الأوسع بين إيران والعراق، والذي ركز على الهجمات على ناقلات النفط في الخليج العربي. ففي عام 1987، بعد أن هاجمت إيران عدة ناقلات نفط كويتية، طلبت الكويت الحماية الأميركية لشحناتها النفطية. وردت الولايات المتحدة بتغيير أعلام ناقلات النفط الكويتية إلى العلم الأميركي ونشر قوات بحرية في المنطقة لحماية هذه السفن. وانخرطت البحرية الأميركية في عدة مناوشات مع القوات الإيرانية، وبلغت ذروتها في عملية فرس النبي في أبريل/نيسان 1988، حيث دمرت الولايات المتحدة قدراً كبيراً من القدرات البحرية الإيرانية. وقد سلط هذا التدخل العسكري المباشر الضوء على الأهمية الاستراتيجية التي توليها الولايات المتحدة لضمان التدفق الحر للنفط من الخليج العربي، وهي السياسة التي كان لها آثار طويلة الأمد.

دور الاتحاد السوفييتي: موازنة المصالح الإيديولوجية والاستراتيجية

لقد تشكلت مشاركة الاتحاد السوفييتي في الحرب الإيرانية العراقية من خلال الاعتبارات الإيديولوجية والاستراتيجية. وعلى الرغم من عدم انحيازه الإيديولوجي لأي من الجانبين، إلا أن الاتحاد السوفييتي كان له مصالح طويلة الأمد في الشرق الأوسط، وخاصة في الحفاظ على النفوذ على العراق، الذي كان تاريخيًا أحد أقرب حلفائه في العالم العربي.

في البداية، تبنى الاتحاد السوفييتي نهجًا حذرًا تجاه الحرب، حذرًا من عزل العراق، حليفه التقليدي، أو إيران، الجارة التي يشترك معها في حدود طويلة. ومع ذلك، اتجهت القيادة السوفييتية تدريجيًا نحو العراق مع تقدم الحرب. زودت موسكو بغداد بكميات كبيرة من المعدات العسكرية، بما في ذلك الدبابات والطائرات والمدفعية، للمساعدة في دعم المجهود الحربي العراقي. ومع ذلك، كان الاتحاد السوفييتي حريصًا على تجنب الانهيار الكامل في العلاقات مع إيران، والحفاظ على التوازن بين البلدين.

نظر السوفييت إلى الحرب الإيرانية العراقية باعتبارها فرصة للحد من التوسع الغربي وخاصة الأمريكي في المنطقة. ومع ذلك، كانوا أيضًا قلقين للغاية بشأن صعود الحركات الإسلامية في الجمهوريات ذات الأغلبية المسلمة في أمريكا الوسطى.

حركة عدم الانحياز ودبلوماسية العالم الثالث

بينما كانت القوى العظمى منشغلة بمصالحها الاستراتيجية، سعى المجتمع الدولي الأوسع، وخاصة حركة عدم الانحياز، إلى التوسط في الصراع. كانت حركة عدم الانحياز، وهي منظمة تضم دولًا غير متحالفة رسميًا مع أي كتلة قوى كبرى، بما في ذلك العديد من البلدان النامية، قلقة بشأن التأثير المزعزع للاستقرار للحرب على العلاقات بين بلدان الجنوب على مستوى العالم. دعت العديد من الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز، وخاصة من أفريقيا وأميركا اللاتينية، إلى حل سلمي ودعمت المفاوضات التي توسطت فيها الأمم المتحدة.

سلطت مشاركة حركة عدم الانحياز الضوء على الصوت المتنامي للجنوب العالمي في الدبلوماسية الدولية، على الرغم من أن جهود الوساطة التي تبذلها المجموعة طغت عليها إلى حد كبير الاعتبارات الاستراتيجية للقوى العظمى. ومع ذلك، ساهمت الحرب في زيادة الوعي بين الدول النامية بالترابط بين الصراعات الإقليمية والسياسة العالمية، الأمر الذي عزز أهمية الدبلوماسية المتعددة الأطراف.

التأثير الاقتصادي للحرب على أسواق الطاقة العالمية

النفط كمورد استراتيجي

كان للحرب بين إيران والعراق تأثير عميق على أسواق الطاقة العالمية، مما أكد على الأهمية الحاسمة للنفط كمورد استراتيجي في العلاقات الدولية. كانت كل من إيران والعراق من كبار مصدري النفط، وتسببت حربهما في تعطيل إمدادات النفط العالمية، مما أدى إلى تقلب الأسعار وعدم اليقين الاقتصادي، وخاصة في الاقتصادات المعتمدة على النفط. كانت الهجمات على البنية الأساسية للنفط، بما في ذلك المصافي وخطوط الأنابيب وناقلات النفط، شائعة، مما أدى إلى انخفاض حاد في إنتاج النفط من كلا البلدين.

كانت العراق، على وجه الخصوص، تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط لتمويل جهودها الحربية. وقد أجبرها عجزها عن تأمين صادراتها النفطية، وخاصة عبر ممر شط العرب المائي، على البحث عن طرق بديلة لنقل النفط، بما في ذلك عبر تركيا. وفي الوقت نفسه، استخدمت إيران النفط كأداة مالية وسلاح حرب، فعطلت حركة الشحن في الخليج العربي في محاولة لتقويض اقتصاد العراق.

الاستجابة العالمية لانقطاعات النفط

كانت الاستجابة العالمية لانقطاعات النفط متنوعة. فقد اتخذت الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، خطوات لتأمين إمداداتها من الطاقة. وكما ذكرنا من قبل، نشرت الولايات المتحدة قوات بحرية في الخليج لحماية ناقلات النفط، وهو الإجراء الذي أظهر مدى تحول أمن الطاقة إلى حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة.

كما أصبحت الدول الأوروبية، التي تعتمد بشكل كبير على نفط الخليج، متورطة دبلوماسياً واقتصادياً. فقد دعمت الجماعة الأوروبية، السلف للاتحاد الأوروبي، الجهود الرامية إلى التوسط في الصراع بينما عملت أيضاً على تنويع إمداداتها من الطاقة. وقد أبرزت الحرب نقاط الضعف التي ينطوي عليها الاعتماد على منطقة واحدة في الحصول على موارد الطاقة، مما أدى إلى زيادة الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة وجهود الاستكشاف في أجزاء أخرى من العالم، مثل بحر الشمال.

كما لعبت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) دوراً حاسماً أثناء الحرب. فقد أدى انقطاع إمدادات النفط من إيران والعراق إلى تحولات في حصص إنتاج أوبك، حيث سعت دول أعضاء أخرى، مثل المملكة العربية السعودية والكويت، إلى استقرار أسواق النفط العالمية. ومع ذلك، أدت الحرب أيضاً إلى تفاقم الانقسامات داخل أوبك، وخاصة بين الأعضاء الذين دعموا العراق وأولئك الذين ظلوا محايدين أو متعاطفين مع إيران.

التكاليف الاقتصادية للمقاتلين

بالنسبة لكل من إيران والعراق، كانت التكاليف الاقتصادية للحرب مذهلة. وعلى الرغم من تلقي العراق الدعم المالي من الدول العربية والقروض الدولية، فقد ترك تحت عبء ديون هائل في نهاية الحرب. لقد أدت تكاليف استمرار الصراع الذي دام قرابة عقد من الزمان، إلى جانب تدمير البنية الأساسية وفقدان عائدات النفط، إلى ترك اقتصاد العراق في حالة من الفوضى. وقد ساهم هذا الدين لاحقًا في قرار العراق بغزو الكويت في عام 1990، حيث سعى صدام حسين إلى حل الأزمة المالية في بلاده من خلال وسائل عدوانية.

عانت إيران أيضًا اقتصاديًا، وإن كان بدرجة أقل قليلاً. فقد استنزفت الحرب موارد البلاد، وأضعفت قاعدتها الصناعية، ودمرت الكثير من بنيتها التحتية النفطية. ومع ذلك، تمكنت حكومة إيران، تحت قيادة آية الله الخميني، من الحفاظ على درجة من الاكتفاء الذاتي الاقتصادي من خلال مزيج من تدابير التقشف، وسندات الحرب، وصادرات النفط المحدودة. كما حفزت الحرب تطوير المجمع الصناعي العسكري الإيراني، حيث سعت البلاد إلى تقليل اعتمادها على إمدادات الأسلحة الأجنبية.

عسكرة الشرق الأوسط

انتشار الأسلحة

كانت إحدى أهم العواقب طويلة الأمد للحرب الإيرانية العراقية هي العسكرة الدرامية للشرق الأوسط.لقد انخرطت كل من إيران والعراق في عمليات حشد ضخمة للأسلحة خلال الحرب، حيث قام كل جانب بشراء كميات هائلة من الأسلحة من الخارج. وأصبح العراق، على وجه الخصوص، أحد أكبر مستوردي الأسلحة في العالم، حيث تلقى معدات عسكرية متقدمة من الاتحاد السوفييتي وفرنسا والعديد من البلدان الأخرى. وتمكنت إيران، على الرغم من عزلتها الدبلوماسية، من الحصول على الأسلحة من خلال مجموعة متنوعة من الوسائل، بما في ذلك صفقات الأسلحة مع كوريا الشمالية والصين والمشتريات السرية من الدول الغربية مثل الولايات المتحدة، كما تجسد في قضية إيران كونترا.

لقد ساهمت الحرب في سباق تسلح إقليمي، حيث سعت دول أخرى في الشرق الأوسط، وخاصة دول الخليج، إلى تعزيز قدراتها العسكرية. واستثمرت دول مثل المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة بشكل كبير في تحديث قواتها المسلحة، وغالبًا ما كانت تشتري أسلحة متطورة من الولايات المتحدة وأوروبا. ولقد كان لهذا التراكم في الأسلحة آثار بعيدة المدى على ديناميكيات الأمن في المنطقة، وخاصة مع سعي هذه البلدان إلى ردع التهديدات المحتملة من إيران والعراق.

الأسلحة الكيميائية وتآكل المعايير الدولية

كان الاستخدام الواسع النطاق للأسلحة الكيميائية أثناء الحرب بين إيران والعراق بمثابة تآكل كبير للمعايير الدولية فيما يتصل باستخدام أسلحة الدمار الشامل. وكان الاستخدام المتكرر للعراق للعوامل الكيميائية، مثل غاز الخردل والعوامل العصبية، ضد القوات العسكرية الإيرانية والسكان المدنيين أحد أكثر جوانب الحرب بشاعة. وعلى الرغم من هذه الانتهاكات للقانون الدولي، بما في ذلك بروتوكول جنيف لعام 1925، فإن استجابة المجتمع الدولي كانت صامتة.

لقد غضت الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية الطرف إلى حد كبير عن استخدام العراق للأسلحة الكيميائية، بسبب انشغالها بالتداعيات الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحرب. وقد أدى هذا الفشل في محاسبة العراق على أفعاله إلى تقويض الجهود العالمية لمنع الانتشار النووي وتأسيس سابقة خطيرة للصراعات المستقبلية. ولقد عادت دروس الحرب بين إيران والعراق إلى الظهور بعد سنوات، أثناء حرب الخليج وغزو العراق في عام 2003، عندما هيمنت المخاوف بشأن أسلحة الدمار الشامل مرة أخرى على الخطاب الدولي.

الحرب بالوكالة والجهات الفاعلة غير الحكومية

وكانت إحدى العواقب المهمة الأخرى للحرب انتشار الحرب بالوكالة وصعود الجهات الفاعلة غير الحكومية كلاعبين مهمين في الصراعات في الشرق الأوسط. وبدأت إيران، على وجه الخصوص، في تنمية العلاقات مع مجموعة من الجماعات المسلحة في جميع أنحاء المنطقة، وأبرزها حزب الله في لبنان. تأسس حزب الله في أوائل الثمانينيات بدعم إيراني، وأصبح أحد أقوى الجهات الفاعلة غير الحكومية في الشرق الأوسط، حيث كان له تأثير عميق على السياسة اللبنانية وانخرط في صراعات متكررة مع إسرائيل.

أصبحت زراعة الجماعات بالوكالة ركيزة أساسية لاستراتيجية إيران الإقليمية، حيث سعت البلاد إلى توسيع نفوذها خارج حدودها دون تدخل عسكري مباشر. وقد استخدمت إيران هذه الاستراتيجية المتمثلة في الحرب غير المتكافئة في الصراعات اللاحقة، بما في ذلك الحرب الأهلية السورية والحرب الأهلية اليمنية، حيث لعبت الجماعات المدعومة من إيران أدوارًا مهمة.

العواقب الدبلوماسية والجيوسياسية بعد الحرب

وساطة الأمم المتحدة وحدود الدبلوماسية الدولية

لعبت الأمم المتحدة دورًا حاسمًا في المراحل الأخيرة من الحرب بين إيران والعراق، وخاصة في التوسط في وقف إطلاق النار الذي أنهى الأعمال العدائية في عام 1988. دعا قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 598، الذي صدر في يوليو 1987، إلى وقف إطلاق النار الفوري، وانسحاب القوات إلى الحدود المعترف بها دوليًا، والعودة إلى الظروف التي كانت سائدة قبل الحرب. ومع ذلك، استغرق الأمر أكثر من عام من القتال الإضافي قبل أن يوافق الجانبان على الشروط، مما يسلط الضوء على التحديات التي واجهتها الأمم المتحدة في التوسط في مثل هذا الصراع المعقد والمتأصل.

كشفت الحرب عن حدود الدبلوماسية الدولية، وخاصة عندما شاركت القوى الكبرى في دعم المتحاربين. وعلى الرغم من المحاولات العديدة التي بذلتها الأمم المتحدة للتوسط في السلام، ظلت كل من إيران والعراق متمسكة بموقفها، حيث سعى كل منهما إلى تحقيق نصر حاسم. ولم تنته الحرب إلا عندما استنفد الطرفان قواهما تماماً ولم يعد بوسع أي منهما أن يزعم أنه يتمتع بميزة عسكرية واضحة.

كما أبرز عجز الأمم المتحدة عن حل الصراع بسرعة الصعوبات التي تواجه الدبلوماسية المتعددة الأطراف في سياق الجغرافيا السياسية للحرب الباردة. وكانت الحرب الإيرانية العراقية، من نواح كثيرة، صراعاً بالوكالة في إطار الحرب الباردة الأوسع، حيث قدمت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي الدعم للعراق، وإن كان لأسباب مختلفة. وقد أدى هذا الديناميكي إلى تعقيد الجهود الدبلوماسية، حيث لم تكن أي من القوتين العظميين على استعداد للالتزام الكامل بعملية السلام التي قد تضر بحليفها الإقليمي.

إعادة التنظيم الإقليمي والشرق الأوسط بعد الحرب

كانت نهاية الحرب الإيرانية العراقية بمثابة بداية لمرحلة جديدة في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، اتسمت بتحول التحالفات، وجهود التعافي الاقتصادي، وتجدد الصراعات.لقد برز العراق، الذي أضعفته سنوات من الحرب وثقلت عليه ديون هائلة، كقوة إقليمية أكثر عدوانية. وبدأ نظام صدام حسين، الذي كان يواجه ضغوطاً اقتصادية متزايدة، في فرض نفسه بقوة أكبر، وبلغت ذروتها بغزو الكويت في عام 1990.

وقد أطلق هذا الغزو سلسلة من الأحداث التي أدت إلى حرب الخليج الأولى والعزلة الطويلة الأمد للعراق من جانب المجتمع الدولي. كما أدت حرب الخليج إلى مزيد من زعزعة استقرار المنطقة وتعميق الخلاف بين الدول العربية وإيران، حيث دعمت العديد من الحكومات العربية التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد العراق.

بالنسبة لإيران، تميزت فترة ما بعد الحرب بالجهود الرامية إلى إعادة بناء اقتصادها وإعادة تأكيد نفوذها في المنطقة. وعلى الرغم من عزلتها عن معظم المجتمع الدولي، فقد اتبعت الحكومة الإيرانية سياسة الصبر الاستراتيجي، وركزت على تعزيز مكاسبها من الحرب وبناء تحالفات مع الجهات الفاعلة غير الحكومية والأنظمة المتعاطفة. وقد أثمرت هذه الاستراتيجية في وقت لاحق عن نتائج طيبة، حيث برزت إيران كلاعب رئيسي في الصراعات الإقليمية، وخاصة في لبنان وسوريا والعراق.

التأثيرات طويلة الأمد على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط

لقد خلفت الحرب بين إيران والعراق تأثيراً عميقاً ودائماً على السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط. فقد أكدت الحرب على الأهمية الاستراتيجية للخليج الفارسي، وخاصة فيما يتصل بأمن الطاقة. ونتيجة لهذا، أصبحت الولايات المتحدة ملتزمة بشكل متزايد بالحفاظ على وجود عسكري في المنطقة لحماية مصالحها. وهذه السياسة، التي يشار إليها غالباً باسم مبدأ كارتر، من شأنها أن توجه تصرفات الولايات المتحدة في الخليج لعقود قادمة.

كما تعلمت الولايات المتحدة دروساً مهمة حول مخاطر الانخراط في الصراعات بشكل غير مباشر. إن الدعم الأميركي للعراق أثناء الحرب، على الرغم من أنه كان يهدف إلى احتواء إيران، ساهم في نهاية المطاف في صعود صدام حسين كتهديد إقليمي، مما أدى إلى حرب الخليج والغزو الأميركي للعراق في نهاية المطاف في عام 2003. وقد سلطت هذه الأحداث الضوء على العواقب غير المقصودة للتدخل الأميركي في الصراعات الإقليمية وصعوبات الموازنة بين المصالح الاستراتيجية قصيرة الأجل والاستقرار على المدى الطويل.

استراتيجية إيران بعد الحرب: الحرب غير المتكافئة والنفوذ الإقليمي

تطوير شبكات الوكالة

كانت إحدى أهم نتائج الحرب قرار إيران بتطوير شبكة من القوات بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة. وكان أبرزها حزب الله في لبنان، الذي ساعدت إيران في إنشائه في أوائل الثمانينيات ردًا على غزو إسرائيل للبنان. لقد نمت حزب الله بسرعة لتصبح واحدة من أقوى الجهات الفاعلة غير الحكومية في الشرق الأوسط، وذلك بفضل الدعم المالي والعسكري الإيراني إلى حد كبير.

في السنوات التي أعقبت الحرب، وسعت إيران هذه الاستراتيجية بالوكالة إلى أجزاء أخرى من المنطقة، بما في ذلك العراق وسوريا واليمن. ومن خلال تنمية العلاقات مع الميليشيات الشيعية وغيرها من الجماعات المتعاطفة، تمكنت إيران من توسيع نفوذها دون تدخل عسكري مباشر. وقد سمحت هذه الاستراتيجية للحرب غير المتكافئة لإيران بالتفوق على وزنها في الصراعات الإقليمية، وخاصة في العراق بعد الغزو الأمريكي في عام 2003 وفي سوريا خلال الحرب الأهلية التي بدأت في عام 2011.

علاقات إيران مع العراق في حقبة ما بعد صدام

كان أحد أكثر التحولات الدرامية في الجغرافيا السياسية الإقليمية في أعقاب الحرب الإيرانية العراقية هو تحول علاقة إيران بالعراق بعد سقوط صدام حسين في عام 2003. خلال الحرب، كان العراق عدوًا لدودًا لإيران، وخاضت الدولتان صراعًا وحشيًا ومدمرًا. ولكن إزاحة صدام على يد القوات التي تقودها الولايات المتحدة خلقت فراغاً في السلطة في العراق سارعت إيران إلى استغلاله.

كان نفوذ إيران في العراق ما بعد صدام عميقاً. فقد اكتسب السكان الشيعة في العراق، الذين ظلوا مهمشين لفترة طويلة في ظل نظام صدام الذي يهيمن عليه السنة، السلطة السياسية في فترة ما بعد الحرب. وإيران، باعتبارها القوة الشيعية المهيمنة في المنطقة، عملت على تنمية علاقات وثيقة مع النخبة السياسية الشيعية الجديدة في العراق، بما في ذلك جماعات مثل حزب الدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. كما دعمت إيران الميليشيات الشيعية المختلفة التي لعبت دوراً رئيسياً في التمرد ضد القوات الأميركية وفي وقت لاحق في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش.

اليوم، يشكل العراق ركيزة أساسية لاستراتيجية إيران الإقليمية. وفي حين تحافظ العراق على علاقات دبلوماسية رسمية مع الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، فإن نفوذ إيران في البلاد منتشر، وخاصة من خلال علاقاتها بالأحزاب السياسية والميليشيات الشيعية. لقد جعلت هذه الديناميكية من العراق ساحة معركة رئيسية في الصراع الجيوسياسي الأوسع بين إيران ومنافسيها، وخاصة الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.

إرث الحرب على العقيدة والاستراتيجية العسكرية

استخدام الأسلحة الكيميائية وانتشار أسلحة الدمار الشامل

كان أحد أكثر جوانب الحرب الإيرانية العراقية إثارة للقلق هو الاستخدام الواسع النطاق للأسلحة الكيميائية من قبل العراق ضد القوات الإيرانية والسكان المدنيين. كان استخدام غاز الخردل والسارين وغير ذلك من العوامل الكيميائيةلقد انتهكت الهجمات التي شنها العراق القانون الدولي، ولكن الاستجابة العالمية كانت خافتة إلى حد كبير، حيث غضت العديد من البلدان الطرف عن تصرفات العراق في سياق الجغرافيا السياسية للحرب الباردة.

كان لاستخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب عواقب بعيدة المدى على نظام منع الانتشار العالمي. لقد شجع نجاح العراق في نشر هذه الأسلحة دون عواقب دولية كبيرة أنظمة أخرى على السعي للحصول على أسلحة الدمار الشامل، وخاصة في الشرق الأوسط. كما سلطت الحرب الضوء على القيود التي تفرضها المعاهدات الدولية، مثل بروتوكول جنيف لعام 1925، في منع استخدام مثل هذه الأسلحة في الصراعات.

في السنوات التي أعقبت الحرب، اتخذ المجتمع الدولي خطوات لتعزيز نظام منع الانتشار، بما في ذلك التفاوض على اتفاقية الأسلحة الكيميائية في تسعينيات القرن العشرين. ولكن إرث استخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب استمر في تشكيل المناقشات العالمية حول أسلحة الدمار الشامل، وخاصة في سياق برامج أسلحة الدمار الشامل المشتبه بها في العراق في الفترة التي سبقت الغزو الأمريكي في عام 2003 واستخدام سوريا للأسلحة الكيميائية أثناء الحرب الأهلية.

الحرب غير المتكافئة ودروس حرب المدن

تميزت الحرب بين إيران والعراق بسلسلة من الحروب داخل الحرب، بما في ذلك ما يسمى حرب المدن، حيث شن كل من الجانبين هجمات صاروخية على المراكز الحضرية للجانب الآخر. وكان لهذه المرحلة من الصراع، التي تضمنت استخدام الصواريخ بعيدة المدى والقصف الجوي، تأثير عميق على السكان المدنيين في كلا البلدين وأنذرت باستخدام تكتيكات مماثلة في الصراعات اللاحقة في المنطقة.

أظهرت حرب المدن أيضًا الأهمية الاستراتيجية لتكنولوجيا الصواريخ وإمكانية الحرب غير المتكافئة. لقد استخدمت كل من إيران والعراق الصواريخ الباليستية لاستهداف مدن كل منهما، متجاوزة بذلك الدفاعات العسكرية التقليدية ومتسببة في خسائر فادحة في صفوف المدنيين. وقد استخدمت جماعات مثل حزب الله، التي استخدمت الصواريخ لاستهداف المدن الإسرائيلية خلال حرب لبنان عام 2006، والحوثيون في اليمن، الذين شنوا هجمات صاروخية على المملكة العربية السعودية، هذا التكتيك في وقت لاحق.

وبالتالي ساهمت الحرب بين إيران والعراق في انتشار تكنولوجيا الصواريخ في الشرق الأوسط وعززت أهمية تطوير أنظمة الدفاع الصاروخي. وفي السنوات التي تلت الحرب، استثمرت دول مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة بكثافة في أنظمة الدفاع الصاروخي، مثل القبة الحديدية ونظام الدفاع الصاروخي باتريوت، للحماية من خطر الهجمات الصاروخية.

الخلاصة: التأثير الدائم للحرب على العلاقات الدولية

كانت الحرب بين إيران والعراق حدثًا محوريًا في تاريخ الشرق الأوسط والعلاقات الدولية، مع عواقب لا تزال تشكل المنطقة والعالم اليوم. ولم تقتصر آثار الحرب على تدمير البلدين المتورطين فيها بشكل مباشر، بل كانت لها أيضاً آثار بعيدة المدى على السياسة العالمية والاقتصاد والاستراتيجية العسكرية والدبلوماسية. وعلى المستوى الإقليمي، أدت الحرب إلى تفاقم الانقسامات الطائفية، وساهمت في صعود الحرب بالوكالة، وأعادت تشكيل التحالفات وديناميكيات القوة في الشرق الأوسط. وكان لاستراتيجية إيران بعد الحرب المتمثلة في تنمية القوات بالوكالة واستخدام الحرب غير المتكافئة تأثير دائم على الصراعات الإقليمية، في حين أدى غزو العراق للكويت في أعقاب الحرب إلى سلسلة من الأحداث التي أدت إلى حرب الخليج والغزو الأمريكي للعراق في نهاية المطاف. وعلى الصعيد العالمي، كشفت الحرب عن نقاط الضعف في أسواق الطاقة الدولية، والقيود المفروضة على الجهود الدبلوماسية لحل الصراعات المطولة، ومخاطر انتشار أسلحة الدمار الشامل. كما سلطت مشاركة القوى الخارجية، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، الضوء على تعقيدات الجغرافيا السياسية للحرب الباردة والتحديات المتمثلة في الموازنة بين المصالح الاستراتيجية القصيرة الأجل والاستقرار الطويل الأجل.

مع استمرار الشرق الأوسط في مواجهة الصراعات والتحديات اليوم، يظل إرث الحرب الإيرانية العراقية عاملاً حاسماً في فهم المشهد السياسي والعسكري في المنطقة. إن دروس الحرب حول مخاطر الطائفية، وأهمية التحالفات الاستراتيجية، وعواقب التصعيد العسكري لا تزال ذات صلة اليوم كما كانت قبل أكثر من ثلاثة عقود.